ads980-90 after header
الإشهار 1

تهافت مجلس المنافسة ولجنة “خبراء الخبراء” على محك الديمقراطية

الإشهار 2

العرائش أنفو

تهافت مجلس المنافسة ولجنة “خبراء الخبراء” على محك الديمقراطية

د. حمزة عبد الواحد
سوسيو-قتصادي

1- يعطي الحكم المركزي لنفسه فرصة أخرى، بتأجيل الحسم، بعد أول مذكرة مرفوعة إليه من طرف مجلس المنافسة، بتقبل مذكرة ثانية، تسمح بمراجعة أو ربما بتلطيف القرار الصادر بشأن تواطؤ ثلاثة أو أربعة شركات محتكرة لقطاع المحروقات في المغرب (مجموعة السيد أخنوش وغيره !).
2- يبدو أن المذكرة/ الرأي/ القرار الثاني الموضوع قيد الحسم، مذكرة ملطفة وغير معللة بما فيه الكفاية للعموم، من حيث عملية اتخاذ القرار ونسبة الداعين إلى التحكيم فيه، ولعل ذلك يرجع إلى عمل “اللوبي” الحثيث في القطاع، الذي يعتبر نفسه مستهدفا من “القرار الأول”. والحال أن المذكرة الثانية تضيع ثقل ومسؤولية العقوبة لدى المعنيين الأوائل من “الكونسورتيوم البترولي”، بإدراج جميع الفاعلين؛ بمن فيهم الصغار والمتوسطين، طبعا!
3- إن أهم ما في الأمر في رأينا هو مشكل النقص/ الهزالة/ الضعف المؤسساتي الديمقراطي، المُتسبب في هكذا إشكال! مشكل شفافية عمل المؤسسات! وسيكون من سابع المستحيلات مراقبة إلى ما نهاية لتلك المؤسسات بالاستنجاد بلجن خبراء/ قد تكون “على المقاس”!
4- وسيكون للمؤسسة البرلمانية – المنتخبة ديمقراطيا – أوسع الصلاحية الشعبية لمراقبة سلوكات الفاعلين – المعنيين وكذا البنيات التي يتحركون فيها، بما في ذلك صلاحية اتخاذ قرارات الزجر والعقوبة لكل المخالفات لدولة الحق والقانون/ القضاء!
5- سمح البلاغ الملكي بالتعرف على بعض حيثيات الخلاف الداخلي لكذا مجلس وترك الباقي لتداول “الكبار”/ اللجنة والسلطة! مما جعل المواطنون يفهمون لوازم “العجز المؤسساتي” لديه، بل وتم فضح أزمته الطارئة/ أو البنيوية، بما فيها الاندفاقات على سكة ضعف السير الديمقراطي الداخلي، وإشكال اتخاذ القرار عموما بداخله، على “صورة الباقي”، كما يقال!
6- في حال إخفاق مذكرة السيد الرئيس/ مجلس المنافسة، كما هو مؤسَّس اليوم، سترتفع سومة “لجنة الخبراء” المكونة لغرض التدقيق في حيثيات القرارات مما سيُنقل ثقل الشرعية من مؤسسة دستورية إلى لجنة تقنية/ “منشأة لغرض”، بل، وفوق كل شيء، ستعلو قيمة “التحكيم الملكي الدستوري”، لتتركز السلطة في نقطة/ قمة الهرم السياسي، وقد يطّلِع الجمهور/ المواطنون أولا يطلع على “الحيْث الأخير”، استمراراً لقصور الشفافية الكامل والأصلي، ورفعاً لمشروعية المؤسسة الملكية وهي في حاجة إليها، اليوم (فرضية الحكومة الوطنية الائتلافية، الانتخابات السابقة لأوانها، فرضية الاستخلاف السياسي، أي جناح من السلطة العميقة/ الطبقة المسيطرة قادر على إستمالة كفة الإرجاءات والحسم في الميزان،…؟)، أكثر من أي وقت مضى! بالمقابل سيتم التأديب “المادي” أو/ “المعنوي” أو سيُبقى على نفس هيكلة المجلس، لا فرق في ذلك، إلا إذا رأت السلطة أن في الأمر ما يستحق ذلك.
7- نحن أمام مثال لزواج السلطة بالمؤسسة. لا ضير في أن تجدد أو تستمر تركيبة المؤسسات و القائمين المباشرين عليها، وسيسمح رأي “خبراء الخبراء” – في حينه – بتقييم عملهم وبجدوى العمل بمؤسسات الضبط التي تسمح بسير مؤسسات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، الخ، وفق قانون العرض والطلب والثمن “الملائم”! لكن كل الخوف – مما يسمح به “اللعب المؤسساتي الضبطي” هو أن يتحول ذلك “الزواج العصري” إلى حلقة مفرغة، يتم الإرجاء بموجبه إلى حين لكل حسم عادل وفعّال لرهانات استراتيجية تهم الوطن والمواطنين، ناهيك عن “الكلفات الإضافية” ا لتي قد لا يبررها قط “المنطق الاقتصادي البحث”، عطفا على “خيوط الأمان” و”المشروعية” التي تسمح بها مسرحيات “الإرجاءات اللامنتهية”/ “المؤسسات الشكلية”، وكسب رهان الوقت إلى حين، في غياب فعلي وواضح لهيئات ديمقراطية، وعلى رأسها البرلمان (فصل السلط، الحكامة، النجاعة، الفعالية،…).
8- مجلس المنافسة مؤسسة للضبط، يلزمها حقا أن تؤدي وظيفتها في البنيان الليبرالي – الاقتصادي –الاجتماعي، حتى لا يطغى على سير الرأسمالية المحيطية – المتخلفة – كما في بلدنا – منطق “الفوضى الهدامة” و”التراكم البدائي – النيوليبرالي – المتوحش”. يقوم دوره على الملاءمة الضرورية والكافية بين العرض والطلب لتحديد أثمان “طبيعية” – “معقولة”، حيث تقف الدولة وراءها لأجل تقويم القطاع المعني بالأمر (الاستيراد، الإنتاج والتصفية، التوزيع، نقط التزويد للاستهلاك المباشر، الخ). وذلك لأجل الإسعاف اللازم لحاجيات الاقتصاد المحلي/ الوطني ! وقد خبرتنا ظرفية كوفيد 19 أن إجراءات احترازية، كتلك، أو أكثر، أصبحت من الضرورة والراهنية والاستعجالية بمكان.
9- من عناصر قصور مؤسسة ضبطية كمجلس المنافسة عدم اهتمامها – على الأقل نظريا بالعلاقات الاجتماعية الأساسية في البلاد المعني/ أو على مستوى العالم، واقتصارها على “الطرح النيو- مؤسساتي/ النيو- تقليداني”. ذلك أن “الضبطية”، أصلا هي مدرسة فكرية – عملية ظهرت – أول ما ظهرت بأوروبا (جناح باريس وجناح غرونوبل)، وبعدئذ في أمريكا اللاتينية وباقي العالم، تبناها شباب / ثورة الطلاب (1968) الممارس للسلطة (ماركس + كينز)، لصالح “التدخلية للدولة في الاقتصاد والمجتمع”. لهذا، يمكن أن تلهم – كنظرية – السياسة الاقتصادية في بلدنا، خاصة في أعقاب كوفيد 19، بالرغم من حدودها – على المستوى التطبيقي.
10- يمكن اعتبار ما شهدناه في محطات أفريقيا – غاز من تخليط سافر للمحروقات بالماء من باب رد فعل اللوبي” الغاشم” على إحتمال قوي من طرف مجلس المنافسة لاتخاذ قرار معاقبته! وقد يعتبر ذلك في قراءة أخرى “انتقاما” منه! والحال أن أكبر البتروليين تجرؤوا على مجاهدة الدولة والدخول الرمزي معها – ومع المستهلكين – في لعبة/ نزال “اليد الحديدية”، في ظرفية قد لا تسمح بتاتا بهكذا “سلوك بدائي”! سيكون في حالة وقوع ذلك، نوع من “الصابوطاج المقصود”/ “البلطجة” من طرف اللوبي وأزلامه، في “تحدي مفضوح” للمصالح المقدسة للوطن و للمواطنين – المستهلكين/ المنتجين!
11- يسمح تهافت تسيير المجلس باستخلاص درس كبير، يدعو للفصل بوضوح بين مجال السيادة ومجال الحكم/ القرار، عوض تقديم” مذكرات” إلى الملك، قد يكون من باب النجاعة والحكامة الجيدة والتموقع الاجتماعي – الاقتصادي – السياسي الصريح، في أفق التغيير والقطيعة الممكنة، فضلا عن الانتخاب الديمقراطي للأعضاء، أن يتمكن المجلس من الحسم بهدوء – بعيدا عن السلطة – في قراراته المستقلة والشفافة والديمقراطية.
12- ما جرئ المجلس على القيام به، أولا، مشروع، خاصة وأن الحاجيات المالية للدولة كبيرة بحجم “صندوق الاستثمار” و”الحاجيات للخدمة الاجتماعية”، فضلا عن استفحال المديونية، قبلا، وما اكتنزه “لوبي المحروقات”، بعدا، مما يعتبر “لا – أخلاقيا” بالنسبة لبلد في تطلع النمو/ التنمية/ الديمقراطية! قد يكون ريعا مبررا بقدرة “اليد الخفية/ الشيطانية”، لكنه غير مقبول – بتاتا- من حيث واجب المواطنة والتضامن الاجتماعي وشروط “الإقلاع” الديمقراطي بعد/ وفي خضم كوفيد 19، فلا توجد نار بدون دخان”!، وحان وقت “القصاص القانوني”، قصاص لا نريده “مخزنيا”، ولكن مستجيبا لتطلع دولة الحق والقانون! لنتذكر “حملة التأديب” المخزنية لرجال أعمال مغاربة على عهد السيد البصري، وقد تكون استقالة الوزير السيد زيان نتيجة لذلك (1996).
13- نَذكُرُ “الخدمة القذرة/ المطلوبة” لـ”ضبط الأمور”/ “إعادة الإنتاج”، التي قام بها بحماس وولاء تام حزب الأحرار في ما سمي، وقتها، بـ”البلوكاج السياسي” (المرة الأولى والثانية) المُعدَّل، والتي ظهرت –آنذاك – لبعض الملاحظين في منتهى السياسوية والحبكة الدستورانية النقية. لقد عملت الدولة العميقة، إبانها، على إخراج السيد بنكيران إلى التماس بلطف/ “التوش”/ رمزي/ عنيف، لتتم عملية التحرير للقطاع وتعليق إصلاح صندوق المقاصة إلى حين لم يسمى. كان بالإمكان اعتماد إحصاءات “الرَّميد” لإطلاق عملية استهداف المحتاجين، حينها، ليكون المغرب، اليوم، قد استفاد من تجربة في توزيع “الريوع/ المداخيل” على المحتاجين زمان – كوفيد 19، بل ويكون قد علم أن ذاك التوزيع يلزمه مقابل إنتاجي/ أو خدماتي يُربى على قيم العمل الكريم/ المنتج/ المستحق! مما يطلق المبادرات البناءة للمواطن/ الوطن البناء!
تمت “فبركة” الحكومة الموالية/ العثمانية” حسب “قواعد الانتخاب/ المسرح / الفن الدستوري”، ولم يتم إصلاح صندوق المقاصة ولا تركيم التجربة في تسيير معادلة الإنتاج/ التوزيع الناجع/ المستحق ولا العمل باستهداف/ “الصدقة” للمعوزين ولا بتقييم شفاف/ وطني لمبادرات/ “رشاوي” التنمية البشرية والسماح لرأس الأحرار / مسؤول الدولة بالعبث فساداً في برامج الفلاحة الوطنية، الخ. ونعلم أن حزب الأحرار لم يساند قطعاً مبادرات المصالحة مع الريف (شهادة الحقوقي النشناش (2020); وأنه لو كنا في بلد ديمقراطي حقيقي لاستقال المسؤول الوزاري المباشر على مقتل الشهيد /”السماك فكري”، إن استطاع!
والحال أن السلطة اعتبرت أن المشكلة ليس في المشاريع التنموية (الحسيمة – منارة المتوسط،…) وإنما في سوء تدبيرها (خطاب العرش 2017)، ستأتي محاصرة مشروع البناء/ العقار بتاغزوت/ أكادير لتذكر لمن يرغب في ذلك “أن دولة – المخزن لا صديق قار لها” ولتؤشر “دورة – زمان”/ اجتماع 23 يوليو 2020/ المجلس، على واحد من أغنى أغنياء المغرب/ العالم، ارتفعت ثروته في أقل من تسعة أشهر بـ900 مليون دولار، مرت من 1.5 مليار دولار إلى 2.4 مليار دولار نهاية 2017 (فوركيس، و.م.أ)، على أن الرجل قد لا يصلح لأن يجمع باستمرار مفسدة المال والسلطة (المقاطعة الشعبية بالمرصاد!) ولا أن يكون ثاني رجل في البلاد!
14- ليْس لدولة – المخزن “صديق – دائم”، ولربما -أيضا- ليس لها “خصم دائم”، كما يُنظر له علم السياسة عموما، لكن مشكلها الحقيقي هو أن تترك سفينتها تتجاذبها الأمواج/ عبر التاريخ، أن تركن للتردد والانتقائية والتفاوض/ الابتزاز/ التواطؤ (…). هذا يعني شيئا واحداً: غياب مشروع مجتمعي/ ناجع لديها. يعتبر هذا الغياب أكثر مفارقة، اليوم، كلما استنتجت السلطة خلاصات ودروس “لا -واقعية” و”غير منطقية” (ليس كما تراها القوى الحية للبلاد) من أزمة كوفيد 19، ويكفي لرؤية ذلك ما اعتمده قانون المالية التعديلي 2021 (خفض ميزانية التعليم وعدم الاكتراث بالصحة العمومية،….). لعل هذا المنطق البنيوي/ الظرفي/ التاريخي سعف/ ويسعف النظام القائم منذ قرون لكن عالم اللايقين، اليوم، ينبئ أن لا تسلم الجرة دائما من الضربات/ الانكسارات/ الثورات المفاجئة !
15- الآن وله هذه الصبغة الدستورية، وبعد سنتين من التأمل والتفكير والدراسة، من واجب المجلس أن يتصرف في الوقت والمكان المطلوب، يجب أن يقوم بذلك بدون وصاية. بوصلته في ذلك “التداول الديمقراطي”، السليم والصحي! وإلا فسيفقد، دستورانيته – مؤولة على النهج الديمقراطي والفعالية التقنية لأوراشه (التغريم، الرأي – القرار في شأن لاسمير،…)!
16- لا الفضيحة المجتمعية! “سرقة أضحيات العيد”، حيث الجذور السوسيولوجية والنفسية والسياسية وسوء الحكامة ضاربة في الأعماق، ولا القرارات (الحكومية وللدولة) اللامسؤولة – اجتماعيا من جهة والمستجيبة لضغط اللوبي – الفلاحي (مادون الأفراد والمقاولات الصغيرة والمتوسطة وأشباهها من “الكسابة”)، ولا التدبير السيء/ السلطوي/ الارتجالي لكوفيد 19 “فضيحة عشية العيد”، من جهة أخرى؛ يلزمها أبداً أن تشتت نظر الشعب وقواه الحية من التعاطي بحزم وجدية مع المشكل الحارق – ذو الآثار الغير البعيدة – للسرقة اللاأخلاقية/ الموصوفة ومن آثار الاحتكار/ الأرباح الطائلة – المنتزعة في واضحة النهار/17 مليار سنتيم/ من طرف ثلاثة أو أربعة – لا أكثر- ممن يتواطئون على ثلاثة أرباع إنتاج القطاع، فيما يشبه “ريوع سياسية – اقتصادية”! هذه هي الشجرة التي تغطي الغابة/ “العمق”، وما لا يظهر/ قاع “الآيسبيرغ” – الركام الثلجي، الذي لا محيد للمجلس وللجنة الخبراء أن تتعامل معه، وتجد له المخرجَ والمناسبة السانحتين، إن لم يكن في العلن، ففي “السر المطبق”، حتى يحتفظ “القرار النهائي”/ “العشاء الأخير” بلذته ونكهته الخاصة!
17- للعلم، فباسم القانون وقراءة معينة له (تأويل غير ديمقراطي لأكبر قانون، الدستور)، كما أرادته له روح ما بعد 2011، بالضبط 2014 فما فوق، سيتم غض الطرف عن ما قام به الاحتكار/ التواطؤ البترولي، بعد ذلك بالضبط، بالرغم من المرافعات النقدية الشجاعة لبرلماني فدرالية اليسار الديمقراطي، وبالرغم، أيضا، من التحقيق البرلماني في الموضوع والذي تم إيداعه الدولاب بدون اعتبار يذكر (سطل بلا تقرقيب!)، مما جعل حتى احتمال إعادة الملف إلى المؤسسة التشريعية، من باب “العبث السياسي” والمعاودة الفاقدة للمعنى! يا سادة، لنا ذاكرة! الوقت حان لإعطاء القانون والسياسة روحهما “الأصيلة”، نبلهما، سموهما وقدسيتهما، فقد نتعب من المكيافيلية والشعبوية القاتلة!.
18- الواجب/ الواقع أن مجلس المنافسة يعمل – من هنا فصاعدا – في سياق جديد، سياق كوفيد 19. نتذكر الموقف/ الموت السريري الذي ألم به زمان السيد بنعمور ومن معه! الآن وله الصلاحية/ الهيبة الدستورية/ سلطة القرار، فريق عمل (8+4+1) يسمح بالتمحيص والجدل، لا يمكن أن يتحول إلى هيأة تقنية – استشارية “بقوة الفعل- الأمر”، لا “بقوة القانون”، أو لنقل بقوة “قراءة محددة له”، مما يضعه كمؤسسة – في صلب الصراع الطبقي/ الاجتماعي/ السياسي وليس فوقه!-فله -على رأسه- شخص كفء (ولم يكن من سبقه غير كفء!)، مستشار – خدوم للدولة، على الأقل منذ أن أوصى به وعليه السيد اليوسفي – زمان “حكومة التناوب التوافقي”، ليتقلب – منذ ذلك الأوان – مناصب أقرب إلى مهمته الأصل – الاستشارة في كتابة الدولة. ومن حق الملاحظين/ المواطنين أن يضعوا المؤسسات الضبطية واللجن المكونة “لغرض ما” موضع المحك لكسب الرهان الديمقراطي، بقوة “قراءة بديلة” للقانون الوضعي!
لكن أن يذهب السجال إلى حد الخصومة والتشكيك في عمل مجلس من المفروض أن يعمل باستقلالية تامة وباحترام كامل للديمقراطية الداخلية وبشفافية وافية، فلعمري قد يُعتبر ذلك من باب القدح الخطير بعمل مؤسسة من الواجب أن تعمل بحياد تام، لا يهمها في الأمر إلا إعمال القانون والحق! قد يكون اعتماد “لجنة خبراء” لتقييم سلوك مجلس دستوري – تحَوَّل بقدرة قادر – إلى “مجلس خبراء – تقنوقراط” – يقدم المشورة (وقد لا يقسم سلطة القرار المركزي!) نوع من تقزيم سلطة دستورية ووضع خبرتها على ظهر العبث المتراكم والغير المبرر – ديمقراطيا –، بالرغم مما قد يشوب تقديراتها من قصور، لأن “الخطأ إنساني”، “احتمال”، في النهاية لا يجب الرمي به في بحر نكران ورِدَّة الديمقراطية! فالحوار البناء هو الضامن للحد من الأخطاء. أما الاختيارات الكبرى فمركونة في المتن الدستوري (ديباجة، نصوص، قوانين تنظيمية، الخ) وتحسمها، بالضرورة، موازين القوى السياسية – التاريخية (وطنيا ودوليا…).
19- نذكر أن لبرلة قطاع المحروقات في المغرب تمت عبر مرحلتين، بالتدريج (كما هي الموضة! دون اهتمام كافي بتطلع المستهلك/ المنتج، وبقدر وافر من الديماغوجيا والشعبوية فيما برعت فيه حكومة السيد بن كيران. كانت حقن التنويم تحد من فطنة الجمهور وتحد من الغضب والمقاومة/ المقاطعة الشعبية.
لقد نجح ذلك دون اعتماد ب”رافعات مؤسسية ضبطية”/ صمامات أمان/ “إيرباك” مما هو معمول به في الأنظمة العصرية والديمقراطية. هكذا عمل هذا اللاتوافق بين إطلاق حرية الاقتصاد الليبرالي، من جهة، وغياب / مأسسة لضبط حركيته (عرض طلب، أثمان) من جهة أخرى إلى فتح ما أسماه ماركس “بالتراكم البدائي/ العنيف” (اختلاق الندرة، الاحتكار، التحكم) على مصراعيه، مما سيعمل على تشجيع التوحش الليبرالي/ النيوليبرالي وعلى إحباط “نظرية الانسياب” ووضعها في حجمها القزمي/ الإديولوجي الليبرالي.
لقد تم التخلي، في هذه الأثناء بالضبط، على الشركة المغربية الوحيدة/ الباقية للتكرير، لاسمير، وذلك لا لأنها مفلسة، كما قد يغلط البعض، ولكن لأنها مربحة، بالذات (كما أوضحت ذلك النقابة الوطنية لصناعة البترول والغاز، دسمبر 2017 )، حيث حققت الشركة مليار درهم كأرباح صافية 2016-2017، عكس ما تروج له جهات مغرضة لإفلاسها، لتعبيد الطريق لخصخصتها ! فعوض تعزيز ملكيتها العمومية (وهو احتمال لاح في الأفق تحت أزمة كورونا 2020) أو، حتى اعتماد “التسيير الذاتي العمالي” قد يلوح به اختيار نقابي – سياسي محدد، فقد فرك لوبي المحروقات يديه وفتح باب “تواطؤ القلة”، ليضع المستهلك/ المنتج الآخر – باقي أجنحة الرأسمال المحلي – فوق “مقلاة الغلاء” الفاحش.
طوال السنوات الفاصلة على إنشاء مجلس المنافسة وتفعيل نشاطه!، عرف اقتصاد المغرب ارتفاعا ملحوظا في الأثمان – الداخلية للمحروقات (ارتفع الغازوال إلى 9.88 درهم للتر و”ليسانس” إلى 12 درهم، بداية دسمبر 2017)، في نفس الوقت الذي انخفضت فيه الأسعار الدولية. لقد جمد الكارتيل قانون العرض والطلب، تماما كما يجمد السحرة لحركة الماء، وهو القانون الذي يلهج به الاقتصاديون الليبراليون، حتى لا يُسفر أي تململ للاقتصاد الوطني على نزوع “طبيعي” نحو انخفاض الأثمان المحلية، مما قد تمليه “منافسة شريفة بين احتكاريي القطاع، لن تحصل أصلا، وبمباركة ودجل وارتباك للسلطات الاقتصادية – النقدية والسياسية. قد نتفهم أن يعمل الرأسمالي على رفع أثمان منتوجه/ خدمته ليربح، وهو ما يعني أنه لا يتصور أبدا أن يقاول ليخسر، بل ولا يمكنه حتى أن يرضى بأن يفعل ذلك “دون ربح ودون خسارة”، في انسجام تام مع نمط إنتاج / توزيع واستهلاك تاريخي محدد، هو الرأسمالية الطرفية بتميزها الخاص (تبعية الاقتصاد، هشاشته، فسيفسائيته، استغلاليته وتوحشه، الخ).
لكن أن يعمل جزء من الرأسمال – المحلي على المناورة والتواطؤ واستغلال الفراغ المؤسساتي للمبالغة في الرفع من هامش الربح، أي من مستوى استغلال قوة العمل وتحويل فوائض القيمة من القطاعات/ الشرائح الاجتماعية (كالطبقات الوسطى، مثلا…) لصالحه، فهو أمر لا يقبله العقل أو، لا يلزم أن يقبله العقل التاريخاني. أنه يعني شيء واحد: التكالب على المستهلك/ المنتج الآخر، ضعف أو غياب التنظيم/ التأطير الكافي للشرائح / الطبقات المعنية. وهو ما يعني تفشي “ديماغوجية المكتوب” و”حكم اليد الخفية” و”بطش السلطوية – المقيتة” واتباع” نهج المقاطعة الشعبية” واستشراء “طريق المغامرة السياسية الشقية” (…)!

ads after content
الإشهار 3
شاهد أيضا
الإشهار 4
تعليقات الزوار
جاري التحميل ...
الإشهار 5