أخبار الكريساج السياسي عند الرايس العثماني
العرائش أنفو
أخبار الكريساج السياسي عند الرايس العثماني
عادل امليلح
لقد اعتاد المغاربة اصطلاح “الكرساج” على النشالين والسارقين في الشارع العام وفي الأزقة الضيقة، بل إن أماكن بعينها ووسائل نقل أصبحت مرادفة لهذا المصطلح “الكرساج” وفي غالب الأحيان يحمل صاحب هذه المهنة معه السلاح الأبيض ليهدد به خصومه، فلا أحد يمنحك ممتلكاته دون اثارة الخوف والرعب في قلبه، عندما يصبح أثمن ما يملك مهددا، أي صحته وجسده.. وعادة ما ينشط هؤلاء في أوقات الذرة مثل الأعياد والأسواق وفي رأس الشهر.. لكن رغم ذلك فهو مثل الفهد، قلما ينجح في إيجاد طريدة يسلبها ماتملك، ثم إنه مهدد في حريته كل وقت وحين..
إذا كان التصور الذي يرى أن تطور الدولة رهينا بنقل العنف من النشاط الفردي إلى النشاط المؤسسي، إذ أصبح محتكرا من طرف الدولة كمؤسسة متعاقد عليها في إطار تعاقد اجتماعي بمفهومه عند فلاسفة الأنوار، فإن النظرية الجديدة لحكومة سعد الدين العثماني تنبني على نقل الكريساج من الفرد إلى الدولة، فحتكرته، بل وأصبح نشاطها السياسي الرسمي والفعلي، وغايتها العليا.. فلم تعد تفلح في شيء غير استهداف جيوب المغاربة واستنزاف مواردهم، وإذا كان النشال يستخدم السلاح الأبيض، فإن حكومتنا المجيدة تستخدم السلاح القانوني الأسود، إذ بدأت فعلا في إثارة الخوف لدى المواطنيين وتهديدهم فيما هو أغلى من صحتهم، إنها حريتهم وأمنهم النفسي والمعيشي، وسياستها انعكاس جلي لمعنى الموضوعية، إنها تشتغل بعيدا عن العاطفة، فحتى لو كان أغلب المواطنيين يعيشون ظروفا حالكة، فإن حكومة سعد الدين العثماني تطبق منهجها العلمي الذي يُقيِّم الحقيقة العلمية بحجم الغرمات والاستنزافات التي يتعرض لها المواطنيين.. فبعد قانون الكمامة تبعه قانون التربرتورات ثم الدعوة لتفعيل المادة 40 من الدستور.. والالزام باختبارات كورونا للأساتذة، وقانون البطاقة الوطنية.. وكل ذلك أتى بشكل مفاجيء، فكل مرة ينفخ إسرافيل!! عفوا العثماني في مزماره ليرهب المواطنيين الفقراء.. لقد أصبح إنتاج القوانين في المغرب أسهل من إنتاج الحليب في مزرعة هلاندية.. وأصبحت القرارات الصادرة عن مؤسسة منتخبة مثل ظاهرة المد والجزر، تحسب بالساعات، ولا يعرف لها رأس من ذيل.. ولكن كل ذلك بهدف واحد ممارسة الكريساج، بعدما اتضح أن النخبة السياسية والاقتصادية عديمة الابتكار واستثمار فرص الأزمة، وانقلبت لتحفر في المنحدر الذي يمتد تحتها، وإذا ما وظفنا مقولة العروي الذي اعتبر أن الدولة في المغرب كانت دوما أكثر حداثة من الشعب، فإن فليب الثاني، عفوا سعد الدين العثماني قلب التاريخ، وتواضعا منه جعل الحكومة ليس أقل حداثة بل وأقل عقلانية من الشعب، فأصبحت مقطورة القيادة خلف القطار وليس أمامه..
فماذا يريد العثماني وحكومته من المغاربة؟ ربما يريد أكثر مما يريده كورونا، وهذا ما يتضح جليا، يريد العثماني أن يجعل الشعب المغربي عاريا تماما، إنه لا يكتفي بسحب النقوذ من الجيب ولكن يشتهد في سحب الملابس والجلد معا،
دعونا نكون منطقيين، ونتحدث عن وضع الكمامة في الأماكن العامة، يعتمد العثماني العظيم ووزير صحته الخبير على دراسات لمنظمة الصحة العالمية حول أهمية الكمامة في الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا ومنع انتشاره، لكن الواضح انهما ولمصداقيتهم يقتبسون تلك الدراسات لتطبيقها على مجتمع مختلف له عاداته وأنماطه الخاصة، فهل نرغم الناس بلبس الكمامة حتى نقلل من احتمال الاصابة بالفيروس؟ فقد أكد سعد الدين العثماني السابق أن الكمامة غير ضرورية بينما سعد الدين العثماني الحالي يؤكد العكس، ولعل ذلك راجع للإختلاف بين اختصاص الرجلين، فالأول خبير في السياسة والثاني خبير في الصحة، والفرق شاسع، وعلى أي فالظاهر أن وجود الكمامة على فم شخص لا يطابق ما ذهبت إليه منظمة الصحة العالمية، فأغلب المغاربة يقتانون كمامات صنعت منزليا ويتم لبسها لأسابيع دون تغيير، يضعونها على أفواههم في الشارع ويزلونها بأيديهم في المقاهي ويسلمون على أصدقائهم ويأكلون دون أن يغسلوا ايديهم.. وبالتالي فالكمامة التي تحمي من الفيروس تبقى حبرا على ورق لأن مجمل المغاربة يلبسون الكمامة بدافع الخوف ليس من المرض بل من 300 درهم، وبالتالي فهو لا يفكر في صحته بل في الشرطي الذي قد يغافله.. مما يجعل الكمامة من حيث المبدأ غير فعالة، لكن لا يسعنا هنا أن نتهم المواطنيين بالجبن بل إن فلسفة الحكومة تريد من المواطن مالا يمتلكه أصلا، وما لم يتعود عليه، تريد منه واجبا هي بدورها لا تمارسه، فقد كان العثماني المعلم الذي علم المغاربة تقنية تعليق الكمامة في أذن واحدة.. وأما عن ارتفاع الحالات فلا يتحمل مسؤوليتها المواطن بل الحكومة فمعظم، البؤر ظهرت في مصانع كان من الأجدر ضبطها وفرض قيود صارمة عليها، فمن طنجة إلى أسفي مرورا بلالة ميمونة..
ولكن رغم كل ذلك فالعثماني بانتصاراته المتتالية على معاناة المواطنيين وسحقهم وهتك حرماتهم، وذلك عادي جدا، فالعثماني ببصيرته الفذة ونظره الثاقب يستطيع أن ينفذ لجيب مواطن التصق قماش سرواله مع عظمة ساقه، فهو الأمر والناهي وشيخ الزاوية المباركة، التي يمكن بكرماتها أن تأمر بانطلاق القطار في طنجة ومنعه في القنيطرة.. وفرنه المبارك بمقدوره أن يخبز القوانين في كل وقت وحين، فماذا ينقصنا كماغاربة؟ هناك أشياء يجب أن نذكر بها هذا الشيخ، فالهواء ما يزال مجانيا ولا بد من قانون يضع عقوبة على كل من يتنفس دون أن يلبس خرطوما يقيس كتلة الهواء المستهلك، كما ما يزال أمام العثماني فرصة لفرض القوانين على كل مواطن يحلم بغد أفضل، وأمامه أيضا أن يجرم الدعاء غير المرخص له، وربما سيكون من اللازم دفع غرمات على كل من يشاهد القنوات التلفزية غير المغربية، ولما لا تنظيم المرور داخل المنازل، فليس من المعقول أن ينتقل المواطن من غرفة إلى أخرى دون رخصة.. لعل ذلك سيمكنه من سداد الديون الخارجية، فالعثماني ينفخ في مزمار هلاكنا جميعا، ومل قراراته تتعارض شكلا ومضمونا مع الإرادة الملكية السامية والإنتظارات الشعبية..