ads980-90 after header
الإشهار 1

مذكرات معلم في الجنوب المغربي: ما يحس بالمزود غير المضروب به

الإشهار 2

العرائش أنفو

مذكرات معلم في الجنوب المغربي: ما يحس بالمزود غير المضروب به
الحلقة الأخيرة
أحمد رباص

في منتصف سنتي الثالثة اقترحني السادة المفتشون ضمن لوائح المعلمين الذين سوف يستفيدون من ثلاث دورات تكوينية من أجل إعدادهم للتدريس في القسم السادس الذي أضيف للمدرسة الابتدائية في إطار موجة إصلاح تم تنزيلها في بداية العقد التاسع من القرن الماضي.

قسمت هذه الأيام التكوينية إلى ثلاث دورات، كل دورة تتكون من ثلاثة أيام. برمجت الدورة الأولى في شهر مارس والدورة الثانية في نهاية السنة التي تتزامن عادة مع مستهل فصل الصيف. أما الدورة الثانية فقد حدد لها كموعد بداية الموسم الدراسي التي تتزامن محليا مع موسم جني الثمور. والجدير بالذكر هنا أنه روعي خلال هذه الأيام التكوينية انتماء المعلمين إلى شعبتين: المعربين والمزدوجين. وغير خاف على من له دراية بالمنظومة التعليمية أن هذا التقسيم ينطوي على قسمة ضيزى؛ إذ أن المزدوجين مطالبون في بعض الحالات بأن يمارسوا مهام المعربين فضلا عن المهام المرتبطة بشعبتهم، بينما المعربون غير مدعويين وغير معنيين ببعض المهام التي يمارسها زملاؤهم المزدوجون.

وجه الحيف السافر في هذه القسمة أنها غير مصحوبة بتعويض يذكر لفائدة المزدوجين. والأنكى من ذلك أنها كانت أحيانا مصدر متاعب إضافية لهم حيث يتم تكليفهم بتدريس جميع المواد لمستويات متعددة خاصة في ظل الخصاص المهول في أطر التدريس الذي كانت وما زالت تشكو منه المنظومة منذ مدة غير يسيرة.

من أجل إخبار رجال ونساء التعليم المنتدبين للاستفادة من هذه الأيام التكوينية، اهتدى السادة المفتشون إلى دعوة جميع معلمي المنطقة لحضور لقاء تربوي احتضنته مدرسة أكدز التي يوجد بها مقر مقاطعة التفتيش. لازلت أذكر أن محور اللقاء تمثل في الوسائل التعليمية المصاحبة للدرس لغاية الشرح والإيضاح.

قبل نهاية اللقاء التربوي استمع المفتشون لتدخلات بعض المعلمين الذين كنت واحدا من بينهم.. تناولت في كلمتي مسؤولية المعلم في توفير الوسيلة الديداكتيكية المواتية لكل درس درس ولكل حصة حصة وكيف يمكن له أن يقطع مع تبعيته في هذا الشأن للإدارة وذلك عن طريق التزامه بصنع وبناء الوسائل والمعينات مع تكليف التلاميذ بإحضار مواد ومعدات وفق ما هو ممكن ومتاح لهم دون مطالبتهم باقتنائها لما يسببه ذلك من استنزاف ميزانية أسرهم وإحراج للأسر المعوزة التي لا ميزانية لها بالمطلق.

وهكذا انتهى هذا اللقاء بمفاجأتين سارتين بالنسبة لي: المفاجأة الأولى هي أن مجموعة من المعلمين عبروا لي بصوت مسموع عن استحسانهم لتدخلي وإعجابهم بمضمونه والمفاجأة الثانية حدثت لما سلمني مؤطري التربوي الدليل الجديد الذي يحتوي على دروس اللغة الفرنسية المقررة لتلاميد القسم السادس. ونظرا لجو الاكتظاظ الذي مر فيه الاجتماع لم أدرك تواجد زميلي المتحدر من مدينة برشيد الذي أودت بحياته “الماحيا” إلا في الأخير عندما انتشر حشد المعلمين في الشارع العام حيث صادفته وهو في حالة صحية يرثى لها..

سألته عما به، فأخبرتي بأنه زار هذا الصباح طبيبا في مدينة ورزازات وخضع في عيادته لفحوصات أثبثتت وجود ثقوب في معدته ناتجة عن إدمانه على الكجول المسكر والحارق..قال لي إن الطبيب وصف له أدوية وأسدى له نصيحة بالإقلاع عن شرب الماحيا..وبينما نحن نشق طريقنا في اتجاه السوق الأسبوعي الذي تلاشت ذروته واضمحل صخبه إذا بزميلي المريض حد الإنهاك يعبر لي عن شديد أسفه عن إقصائه من لائحة المعلمين الذين جرى انتقاؤهم للمشاركة في الدورات التدريبية الثلاث.. عندها فقط علمت أن المفاجأتين السارتين بالنسبة لي تقابلهما مفاجأتان مفجعتان بالنسبة له..

في موضع سابق من مذكراتي هاته، تحدثت عن تفاصيل الرحلة التي قمت بها خلال هذا اليوم مع هذا المعلم وكيف أنها تمت في مرحلتين: من أكدز إلى قنطرة “تانسيخت” بواسطة النقل السري ومن هنا إلى بلدة “أفرا آيت سدرات” على متن سيارة بيكاب من نوع “بوجو”؛ تحديدا في وسط جفنتها المملوءة بالسلع.. توقفت السيارة في دوار آيت خلفون وترجلنا منها نحن الإثنان.. أدينا للسائق مقابل نقلنا إلى هنا نقدا وانصرف كل واحد منا إلى حال سبيله.. خطوات معدودة كانت كافية لزميلي الذي هده المرض لكي يصل إلى كوخه الطيني البئيس، بينما أنا المعلم المعافى البدن أمامي مسافة طويلة ممتدة لأميال بمحاذاة ضفة النهر في سفوح جبل كيسان الذي يحد الأفق من جهة اليمين انطلاقا من هنا وإلى أبعد من أكدز..

كان علي قطع هذه المسافة مشيا على الأقدام من أجل الالتحاق بمقر عملي وسكني.. ليست هناك أية وسيلة نقل من شأنها إعفائي من تجشم وعثاء المشي عبر مسلك جبلي وعر وموحش.. أجورنا الشهرية كانت هزيلة جدا بحيث أنها لم تؤهلنا ماديا لاقتناء دراجة نارية على الأقل.. لا أحد من المعلمين في منطقة أفرا كان يمتلك دراجة من هذا النوع.. في هذه الحالة، ليس صحيحا أن المصيبة إذا عمت هانت.. ما يحس يالمزود غير المضروب به..لكن الشيء الذي خفف من آلامي وأنا منهمك في السير خطوة خطوة تجسد في الابتسامة التي ارتسمت على محيا معلمة فرعية آيت املكت عندما رأتني أمر أمامها.. لم تخني فطنتي لإدراك مضمون الرسالة التي أرادت المعلمة تبليغها إياي: أنا على علم بانه وقع عليك اختيار المفتشسن للمشاركة في الدورات التدريبية.. أهنئك على ذلك وأتمنى لك حظا سعيدا..

ads after content
الإشهار 3
شاهد أيضا
الإشهار 4
تعليقات الزوار
جاري التحميل ...
الإشهار 5