ads980-90 after header
الإشهار 1

رسالة إلى أمي في زمن الكورونا

الإشهار 2

العرائش أنفو

رسالة إلى أمي في زمن الكورونا

اخترت أن يكون حديث اليوم بمثابة رسالة إلى أمي ومن خلالها إلى كافة الأمهات، في البدء ظننت أنها ستكون رسالة سهلة، لكن ما لبثت إلا و اكتشفت أنه بامكانك أن تكتب لأي شخص في هذا العالم، و لن تجد أي صعوبة في اختيار العبارات و الكلمات، لكن أن تكتب لامراة تصل درجة القداسة فإنك ستواجه صعوبة البداية و صعوبة انتقاء المفاهيم و العبارات، و أنا أكتب أعرف بأن أمي لن تقرأ هذه الرسالة، لأنها ببساطة لم تنل حظها و حقها في التعليم، و يقال عنها أمية بل هي أمي و ليست أمية رغم أنف سبويه و الفراهيدي و كل علماء اللغة و النحو، صحيح أمي/محبوبتي لم تجلس يوما على كرسي المدرسة و لا حتى على حسيرة الفقيه بالجامع، لكنها عليمة و خبيرة بأشياء فشلت المدرسة في تعليمها للكثيرين، أمي الجاهلة بقواعد القراءة و الكتاب الأبجيدة، تعرف أكثر من غيرها كتابات أخرى و قراءات أخرى، فهي وحدها من تعرف قراءة ملامح وجهي منذ الصغر، متى أجوع و متى أمرض و متى أغضب، تقرأ دموعي عندما تتسلل خلسة عني، تقرأ قلقي، تقرأ تيهاني، تقرأ فرحي و حبوري، أمي كانت منذ البدء خبيرة في القراءة، و حتى الكتابة، فهي وحدها من تعرف كتابة كل لحظات يومي، هي وحدها من يعرف كيف يكتب سكنات البيت، منذ الصغر اعتقدت أن امي لا تنام أبدا فكما استقظت وجدتها متيقظة و مستيقظة، أنام على أنغام حكاياتها و قصصها التي لم أنسى معانيها و عبرها للآن، و استيقظ صباحا و هي تستقبلني بقهوتها التي أحن إليها كما حن إليها محمود درويش، و الذين قال عنها بالمناسبة لن أسميك امراة سأسميك كل شيء، و أنا بدوري سأختزل العالم في عينيك أمي، و أختصر العمر في وجنتيك، و ألخص كل ما فات من عمري و ما سيأتي في أنحناءة أمام هامتك، و ارتماء بين أحضانك فلا وسادة أنعم في الكون من حضن الأم كما قال شكسبير، كل ما أنظر إليك أمي أتوق لطفولتي و استحظر شريط ذكرياتها المتقطع فاستنجد بك حتى ترتقيه لتكتمل الصورة فانت الأصل و الأرخي بلغة أهل اليوان القدامى باعتبارك مبدأ و سلطة و سيادة، أنت العلة الأولى لوجودي، اخترت هذا الظرف لأقول لك أني إليك أنتمي و بك أكتفي و دونك أنتهي، فكلما كبرت فهمت أكثر أن السعادة هي حضنك الدافىئ شتاء قبل الصيف، فأنت السراج الذي لا ينطفىء و لا ينضب ضوءه، فالنظر إلى وجهك كل يوم هو الروتين الذي لا أريد له أن يتغير، فأنت ينبوع الحنان و العطف، أنت شمعتي التي طالما احترقت لتنير طريقي أنت القمر الباهر الذي يوجه تائه البيداء، كبرت و اعتقدت أنني ابصرت الطريق و فجأة اكتشفت أني أعمى وفي حاجة دوما إلى شموعك و نورك، فمعذرة أمي عن كل لحظة جفاء قابلتك بها، و عن كل زلاتي التي لم أقصدها يوما و عن تعب الطفولة و الحمل و عن كل العبارات الجارحة التي ربم سقطت مني في لحظة غضب، أعرف أن العبارات قاصرة و عاجزة و مع ذلك لن ألوم اللغة فيكفيني فخر أنك أمي سر وجودي و رمز الوفاء و الحب و العطاء و التضحية و الإخلاص، مهما حاولت أن أقدم لك ما أستطيع فلن أعوضك ذرة مما قدمت و تقدمين، فلك عظيم الإمتنان بقدر عظمتك و خير ما أختم به هو أن أرجو لك السلامة في ظل هذا الوباء و أن يستمر نورك وهاجا في حياتي. لك كل الحب و التقدير و الإعتذار، دمت عظيمة شامخة كريمة معززة.
و كل حجر و أمي و باقي الأمهات بخير و سلام.
ذ.شفيق العبودي

ads after content
الإشهار 3
شاهد أيضا
الإشهار 4
تعليقات الزوار
جاري التحميل ...
الإشهار 5