الحرية أجنحة على ظهور الأحرار لا يراها سوى من هم خلف الأسوار

الحرية أجنحة على ظهور الأحرار لا يراها سوى من هم خلف الأسوار
العرائش أنفو
أصدرت ابتدائية القنيطرة حكمها مؤخرا في قضية رشوة هزت الشأن المحلي والقطاع الصحي، بأحكام حبسية متفاوتة وصلت إلى خمس سنوات نافذة مع الحرمان من مزاولة المهنة. وتظل هذه الأحكام غير حائزة لقوة الشيء المقضي به في انتظار مراحل لاحقة في التقاضي.
هذه القضية، كغيرها من القضايا التي تشغل الرأي العام، تعيدنا إلى تأمل عميق في قيمة الحرية التي قد نفقدها في لحظة غفلة أو تهاون. فما بين طرفة عين وأخرى، قد يجد المرء نفسه خلف الأسوار، مفتقدا لكل ما كان يتمتع به من حياة مدنية ومهنية مزدهرة، وبات يعاني غصة الفراق وألم الندم.
إن خسارة الحرية بسبب تصرفات طائشة أو جهل بالقانون ظاهرة تتكرر في مجتمعنا بصور مختلفة. فما بين شجار تافه، أو إخلال بالمسؤولية، أو انجرار وراء إغراء مادي، قد تتحول الحياة فجأة إلى سجن محاط بالأسوار، يندم فيه صاحبه على لحظة لم يقدر فيها عواقب أفعاله.
تتنوع القصص وتتعدد حول أشخاص خسروا حريتهم في لحظة غضب أو غفلة، أو تهور، أو طمع. فقد تكون تدوينة عابرة في مواقع التواصل الاجتماعي، أو شيكا بدون رصيد، أو تزويرا لوثيقة ولو كان ذلك عن غير قصد، أو طلبا لمال غير مشروع مقابل خدمة هي في الأساس حق أصيل للمواطن.
وما إن يجد الإنسان نفسه محاطا بالجدران العالية، حتى يدرك بمرارة أنه خسر الكثير، وأن تلك اللحظة العابرة التي استخف بها قد كلفته ثمنا باهظا. حينها يعي بعمق أن الحرية تستحق أعلى درجات الحرص والانتباه في احترام القوانين والأعراف.
الحياة خلف القضبان تكشف بقسوة قيمة الأشياء البسيطة التي كان المرء يتمتع بها دون أن يلتفت إلى أهميتها: المشي في الطرقات، السفر، جلسات العائلة الدافئة، ضحكات الأطفال، ومداعبة نسمات الهواء المنعشة. كل تلك اللحظات العادية تتحول في عين السجين إلى أحلام وذكريات يتوق إليها بشغف وألم.
وحفاظا على التمتع بالحياة الكريمة، يتوجب على الفرد التريث وضبط النفس عند الغضب أو عند مواجهة إغراء مادي، والاستفادة من أخطاء الغير، والإلمام بالجوانب القانونية التي تؤطر مختلف الأوساط التي ينتمي إليها. فإذا كنت سائقا فعليك الإلمام بقانون السير، وإن كنت مهنيا في أي قطاع، فالواجب يحتم عليك معرفة أخلاقيات المهنة والقوانين المنظمة لها، خصوصا أنه لا يعذر أحد بجهله للقانون.
إن ما نشهده من قضايا يومية تزخر بها أروقة المحاكم يشكل درسا بليغا لكل من تسول له نفسه مخالفة القانون أو الاستهانة بالضوابط الأخلاقية والمهنية. فالحرية ليست مجرد حق، بل هي أمانة ومسؤولية تستوجب الابتعاد عن التهور والطمع، والتصرف بعقلانية، والتأني وضبط النفس في كل المواقف.
في نهاية المطاف، كل قرار نتخذه يحمل في طياته تبعات قد تفوق تصورنا، وكل خطوة نخطوها قد ترسم مسار حياتنا لسنوات قادمة. لذلك، فإن الوعي بقيمة الحرية واحترام القانون هما الدرع الواقي الذي يحمينا من السقوط في مستنقع الندم والألم.
فإذا كانت الصحة تاجا على رؤوس الأصحاء لا يراه سوى المرضى، فالحرية أجنحة على ظهور الأحرار، لا يستشعر قيمتها الحقيقية سوى أولئك الذين باتوا خلف الأسوار، مثقلين بأغلال الندم، محرومين من نعمة الانطلاق والتحليق في فضاء الحياة الرحب.
برعلا زكريا