مشروعية احتجاجات شباب جيل Z/ الجيل الأخير في المغرب

مشروعية احتجاجات شباب جيل Z/ الجيل الأخير في المغرب
العرائش أنفو
يعرف المغرب منذ سنوات تنامياً ملحوظاً في تعبيرات الاحتجاج التي يقودها شباب جيل Z، أي الفئة المولودة ما بين 1995م و2010م، هؤلاء الشباب الذين نشؤوا في بيئة رقمية منفتحة على العالم، باتوا يشكلون كتلة اجتماعية يصعب تجاهلها. احتجاجاتهم لا تنحصر في مطالب اقتصادية مباشرة فقط، بل تحمل أبعاداً سياسية ورمزية عميقة، تعكس أزمة ثقة متصاعدة بينهم وبين الدولة، وكذا مع المؤسسات الوسيطة التي فقدت الكثير من مصداقيتها. في هذه الورقة سأحاول مقاربة الظاهرة من خلال تفكيك دوافعها، سماتها، ودلالاتها المستقبلية.
ــ على المستوى الاجتماعي والسياسي:
ـ يعيش المغرب مرحلة انتقالية بين نموذج تنموي تقليدي يعتمد على الدولة المركزية المستبدة، وبين ضغوط داخلية وخارجية لدمقرطة الحياة العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ـ كذلك يعاني المغرب من أزمات اقتصادية (البطالة، غلاء الأسعار، ضعف العدالة المجالية، التهميش، التضخم، فساد المؤسسات، التهريب..) جعلت الشباب في مواجهة مباشرة مع واقع يحدّ من تطلعاتهم وأحلامهم المتفجرة.
ـ مقابل ذلك نجد الأحزاب السياسية والنقابات عاجزة عن لعب دور الوسيط، مما جعل جيل Z يبحث عن قنوات جديدة للتعبير، أبرزها الفضاء الرقمي ناهيك عن الاحتجاجات الميدانية في الشارع، بعدما مل من إرسال عديد الرسائل عبر الألتراس في ملاعب كرة القدم (الرجاء والوداد البيضاويين/أغنية ظلموني الشهيرة مثال فقط، والجيش الملكي وغيرها).
إذن ما هي دوافع الاحتجاجات الآن؟
1 ــ اقتصادية-اجتماعية:
ــ سجلت نسب البطالة مؤخرا وسط الشباب وخاصة عند حَمَلَةُ الشهادات ارتفاعا مهولا، وهو ما أكدته أرقام والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري الذي أوضح في تقريره الأخير أن مليون و6 مائة ألف شاب في عمر ما بين 20 و30 عاطلون عن العمل، وأن 47٪ من حاملي الشهادات دون عمل، بينما 2 مليون و5 مائة ألف شاب في سن يتراوح ما بين 15 سنة و25 سنة ليسوا على مقاعد الدراسة ولا يشتغلون أي شغل، وهذه الأرقام وحدها كافية لتلخيص واقع الغضب الحالي.
ـ صعوبة الولوج إلى السكن جراء الارتفاع المهول في أسعاره، وغياب فرص العمل اللائق.
ـ إحساس هذا الجيل بأن النمو الاقتصادي لا ينعكس على حياته اليومية نتيجة غياب التوزيع العادل للثروة، إضافة إلى النهب الذي يطال جزء كبير منها.
2 ــ دوافع سياسية تتمثل في:
ـ ضعف الثقة في المؤسسات المنتخبة التي يُنْظَرُ إليها إما باعتبارها عاجزة أو متواطئة على الشعب.
ـ غياب قنوات المشاركة السياسية الفعلية أمام جيل رقمي يريد الاعتراف بمكانته.
ـ المطالبة بالشفافية والمحاسبة والمساواة وعدم التمييز ومحاربة الفساد، لا مجرد وعود إصلاحية للاستهلاك الاعلامي.
3 ــ دوافع ثقافية ورمزية تتجلى في كون هذا الجيل:
ـ يعيش في عالم مفتوح يرى فيه نماذج أخرى للحرية والكرامة، لذلك تجده يقارن وضعه المحلي بها.
ـ كما أن هذا الجيل يحمل نزعة قوية للاستقلالية عن السلطة الأبوية والدينية والسياسية.
ـ حضور قوي لثقافة القدوة/النموذج، التي تميزه، مثلا في الموسيقى (خاصة الراب)، والفيديوهات القصيرة والهاشتاغات كسلاح رمزي للاحتجاج.
فما هي إذن خصائص احتجاجات جيل Z؟
1ــ أهم ما يميز هذه الاحتجاجات هي كونها لا مركزية بحيث أن الظلم المحلي صار مرتبطا بنضالات عالمية (فلسطين، تغير المناخ، حقوق المرأة، BLACK LIVES MATTER ، GREENPEACE..)، كما أنها لا تملك قيادات واضحة ولا تنظيمات تقليدية، مما يصعّب على السلطة التعامل معها وحتى احتواءها.
2ــ تستغل الثورة الرقمية بشكل ذكي (تيك توك، إنستغرام، تويتر X ..)، وبالتالي تعتبر أن وسائل التواصل الاجتماعي هي المجال الأول للتعبئة والتعبير ونشر الوعي.
3ــ كما أن الجديد في هذه الاحتجاجات هو اعتمادها لغة السخرية والتهكم بقوة كآلية لتفريغ الغضب ومواجهة الخطاب الرسمي للدولة، ناهيك عن كونها لحد الآن سلمية الأسلوب رغم الاستفزازات التي تتعرض لها.
4ــ تجمع بين مفارقة الفردانية والروح الجماعية، حيث أن كل فرد يتحرك بدوافع شخصية، لكن تراكُم الأصوات الفردية وتوجيهها يولّد قوة جماعية ضاغطة توحدها المطالب الأساس وفي مقدمتها الصحة، التعليم، الشغل، السكن اللائق، الكرامة، الحرية، العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
5 ــ لها دلالات سياسية واجتماعية، تعكس أزمة الشرعية والمتمثلة في رفض الشباب للوسائط التقليدية، وهو ما يجعل النظام السياسي مهدد بفقدان شرعية جيل كامل.
6 ــ تعكس أيضا تحولا نوعيا في الوعي، إذ لم تعد المطالب محصورة في تحسين المعيشة، بل ارتقت إلى مطالب الاعتراف بالكرامة والحق في الاختيار الفردي وغيرها من المطالب.
7 ــ أيضا توشي بتصدع النموذج التنموي، الذي تختصره السياسات الاقتصادية القائمة في المشاريع الكبرى(بناء الملاعب خاصة في إطار تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 رفقة اسبانيا والبرتغال) بناء ملعب الهوكي بالرباط بمبلغ يقدر ب28 مليار، دون أن يكون لهذه الرياضة أي انتشار بالمغرب إضافة إلى استثمارات أخرى، التي لا تقنع جيلاً يريد أثراً ملموساً في حياته اليومية، حيث يواجه الموت في المستشفيات والغلاء في الأسواق…
8 ــ وقد أبانت عن بروز ثقافة جديدة للاحتجاج أقل أيديولوجية، وفي نفس الآن أكثر مباشرة، ولغتها رمزية وشعبية قريبة من الحياة اليومية للناس.
لكن ما هو آفاق هذه الحركة الاحتجاجية؟ هل ستعيد تجربة 20 فبراير 2011 إلى الواجهة؟ أم أن شباب جيل Z سيستفيد من تجربة 20 فبراير؟ كلها أسئلة تفرض نفسها وتحتاج لإجابات، لكن ما هو مؤكد في علم السياسة الذي يقول “أن الحركة ليست هي كل شيء، بل الهدف هو كل شيء”، مما يعني أن أي حركة عفوية تفتقد للتنظيم مهما كانت صادقة وقوية، مآلها الانكسار والتاريخ خير شاهد وشهيد.
فما هي إذن السيناريوهات المستقبلية التي يمكن أن تواجه هذه الاحتجاجات؟
1ــ الاحتواء وذلك عبر تقديم حلول ترقيعية مؤقتة من خلال (مساعدات اجتماعية، برامج تشغيل ظرفية…) لتهدئة الوضع، ومحاولة إغراء بعض النشطاء والقادة المفترضين للحركة الاحتجاجية كما حدث مع 20 فبراير 2011، وذلك عبر إعادة الهيكلة السياسية وإدماج شباب جيلZ عبر احتوائهم لملأ الفراغ التمثيلي الفاقد حاليا لشرعية الشارع المحتج.
2ــ كما قد نشهد تصعيدا احتجاجيا إذا ما استمرت الأزمة دون فتح حوار مباشر أو غير مباشر من قبل الدولة ومسؤوليها، يفضي إلى استجابات ملموسة للمطالب، وبالتالي قد تتحول الاحتجاجات إلى موجات أكبر وأكثر تنظيماً إذا ما تحمل المناضلون الجذريون والتنظيمات التي تحمل مشروعا مجتمعيا المسؤولية، من أجل توجيهها تحقيقا للتغيير في اتجاه بناء مجتمع بديل حيث الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
3ــ وقد تؤدي إلى الاستسلام جراء اشتداد القمع والملاحقات والتضييقات وحتى الاعتقالات والمحاكمات التي ستلجأ إليها الدولة لا محالة لاحقا للتعاطي مع هذه الاحتجاجات إذا ما استمرت، بعد شيطنتها وتلفيق لها تهم من قبيل الانفصال وخدمة أجندة خارجية وتلقي دعم خارجي من أجل زعزعة استقرار الدولة، وغيرها من التهم الجاهزة التي تلجأ إليها الجهات المسؤولة من خلال الصحافة الصفراء والمواقع العميلة لها، كما حدث بالضبط مع حراك الريف 2017م، وبالتالي دفع ما تبقى من هؤلاء الشباب إلى اليأس ومن ثم التفكير في الهجرة غير النظامية أو الانسحاب من الشأن العام، مما يعمّق أزمة المشاركة السياسية القائمة أصلا.
خلاصة القول إن احتجاجات جيل Z في المغرب ليست ظاهرة عابرة، بل هي نتيجة لما تعرفه الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالمغرب من تدهور، كما أنها انعكاس لتحولات عميقة في البنية الاجتماعية والسياسية، لأن هذا الجيل المتمرد رقمياً والمُعولم ثقافياً، يضع الدولة أمام تحدي تجديد خطابها وممارساتها، وإلا ستواجه أزمة شرعية ممتدة، لذلك فإن إدماج هؤلاء الشباب لا يقتصر على الاستجابة لمطالبهم وتوفير فرص عمل أو برامج دعم لهم، بل يقتضي تغييرا سياسيا وثقافيا يضمن لهم الاعتراف والمشاركة الحقيقية. بدون ذلك ستبقى هذه الاحتجاجات تتصاعد بين الفينة والأخرى، في موجات متكررة، وقد تترجم إلى انتفاضات على رأس كل عشر أو خمسة عشر سنة، لكنها ستظل عقيمة بل أكثر من ذلك تكرس ثقافة اليأس والاحباط في صفوف الشباب وضيق الأفق، لكن بالمقابل تمنح النظام السياسي القدرة على تجديد ألياته من أجل استدامة الاستبداد.
شفيق العبودي
العرائش 29 شتنبر 2025