ads980-90 after header
الإشهار 1

الدجاج الرومي

الإشهار 2

الدجاج الرومي

برعلا زكريا

تناقلت وسائل الإعلام الدولية بما فيها وكالة رويترز للأنباء مخرجات الاجتماع الوزاري والذي يبدو أنها استجابة سريعة لغليان الشارع الذي قاده جيل الشباب، وتم الإعلان عن ترياق مالي ضخم، حيث تم رصد 140 مليار درهم إضافية لقطاعي الصحة والتعليم، مع وعود بخلق آلاف الوظائف وهي محاولة مفهومة لتهدئة خواطر جيل لم يعد يحتمل التأجيل. لكن خلف بريق هذه الملايين، يختبئ سؤال أكثر إلحاحا ومرارة: هل كانت المشكلة يوما في ندرة المال، أم في تلك الآلة الإدارية العتيقة التي تبتلعه؟

إن ضخ أموال جديدة في شرايين مصابة بالتصلب لا يعالج الداء، بل قد يسرع من الجلطة الكاملة، خاصة عندما تكون هذه الشرايين مسكونة بكائن غريب أصبح علامة مسجلة على الهدر الممنهج.
إنه ذلك الموظف الذي أتقن فن البقاء في قفص الإدارة الآمن، كائن كسول، اتكالي، وانتهازي، لا يعنيه الإصلاح ولا تؤرقه تطلعات وطن بأكمله. همه الأول والأخير هو “النعاس واللقط”، تماما كالدجاج الرومي الذي يقتات على ما يلقى إليه، مكتفيا بضمان الحماية التي يوفرها له القفص الهيكلي. هذا الموظف هو النتاج الطبيعي لبيروقراطية متوحشة، لا تكافئ الكفاءة ولا تعاقب على التقصير، بل تقدس الإجراءات المعقدة وتخلق بيئة مثالية يترعرع فيها الكسل والانتهازية. واليوم، تقف المليارات الجديدة على أعتاب هذا القفص، جاهزة لتتحول إلى علف فاخر يضمن استمرارية هذا الكائن في استهلاك الأكسجين والموارد دون أي مردودية تذكر.

ومن يظن أن هذا التشخيص مجرد تشاؤم، فما عليه إلا أن ينفض الغبار عن سجلات الماضي القريب، وتحديدا عن فضيحة البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم. لم تكن الدولة وقتها بخيلة على الإطلاق، بل كانت كريمة إلى حد الإسراف، إذ أنفقت ما يناهز 41 مليار درهم على برنامج كان من المفترض أن يحدث ثورة تعليمية. لكن ماذا كانت النتيجة؟ كانت كارثة موثقة بالأرقام الدولية، حيث احتل المغرب المراتب ما قبل الأخيرة عالميا في القراءة والعلوم.

لقد التهم الدجاج الرومي وليمة الأربعين مليار درهم، وترك لنا نظاما تعليميا يتذيل الترتيب. هذه المأساة التاريخية ليست مجرد فشل عابر، بل هي شهادة دامغة على أن ضخ المال في نظام فاسد لا ينتج إصلاحا، بل يغذي الفساد نفسه ويوسع القفص الإداري الذي يحميه.

إن المشكلة أعمق من مجرد سلوك فردي، إنها ثقافة مؤسسية. فالبيروقراطية المتوحشة لا تكتفي بإهدار المال العام، بل تعمل كآلية لإحباط الطموح وقتل المبادرة. هي التي تضع العراقيل أمام المستثمر الشاب، وتجبره على الانتظار شهورا وسنوات للحصول على ترخيص، وهي التي تضمن بقاء أصحاب النفوذ وتهميش الكفاءات الحقيقية. إنها تخلق نظاما لا ينجو فيه إلا من يجيد أكل “اللقط” والتكيف مع الفساد. وبالتالي، فإن الـ 27 ألف وظيفة الجديدة الموعودة، قد لا تكون سوى عملية توسيع للمزرعة، واستقطاب فوج جديد من الدجاج الرومي الذي سيتعلم بسرعة قواعد اللعبة: إنتاجية أقل، راتب مضمون، وحصانة كاملة من المحاسبة.

لقد أصبحنا اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستمرار في استخدام المسكنات المالية وتغذية شبكة الفساد، مما يعني المزيد من الديون والإحباط والغضب الشعبي، أو اتخاذ القرار الصعب والشجاع بإجراء جراحة إدارية جذرية. هذه الجراحة تتطلب تفكيك المركزية، وتبسيط المساطر، والأهم من ذلك، تفعيل سيف المحاسبة بصرامة لا تعرف التهاون. فإصلاح الدولة لا يبدأ بتغيير أرقام الميزانية، بل بتحطيم الأقفاص التي حولت الإدارة إلى مزرعة ضخمة لهذا الدجاج الكسول.

ads after content
الإشهار 3
شاهد أيضا
الإشهار 4
تعليقات الزوار
جاري التحميل ...
الإشهار 5