مواجهة الفساد: إرادة الدولة وتخاذل الفاعل السياسي
العرائش أنفو
مواجهة الفساد: إرادة الدولة وتخاذل الفاعل السياسي
بقلم الحلو عبد العزيز
غالبًا ما نتساءل، من مختلف مرجعياتنا الفكرية، عن أولى خطوات إصلاح المجتمع الذي نتفق جميعًا على أنه يعاني من اختلال اجتماعي يعيقه عن التقدم والبناء. قد نختلف من مواقعنا الفكرية حول أسس مفهوم المجتمع ؛ فالماركسي يتصور المجتمع انطلاقًا من فهمه لصراع الطبقات، في حين يعتمد الليبرالي على التحليل الوظيفي للمؤسسات التي تشكل بنية المجتمع. لكننا سنتفق أن الفرد هو أساس المجتمع، فهو من يُكوِّن المؤسسات وهو من يتفاعل فيؤثر ويتأثر فيها باختلاف انتمائه الطبقي. سنتفق أيضًا أن الفرد ينطلق من ممارسته اليومية من مجموعة قيم يكتسبها من العادات والتقاليد وتراكم المعرفة المكتسبة طيلة مسار الحياة، وتنعكس بالضرورة على سلوكه وتصرفاته وأفعاله.
في مجتمعنا المغربي، تطبَّع الأفراد مع الفساد من خلال السلوك اليومي والمكرر بما يشبه العرف، حتى أصبح الفساد مكوّنًا قيميًا للبنية الوظيفية للمجتمع. بات هذا السرطان يهدد كل خلايا الجسم المغربي، وبالتالي أصبح لزامًا على جل المؤسسات المشكلة لهذا الجسم اقتراح وصفة تتضمن مجموعة من الأدوية التي تؤدي إلى شفاء المجتمع ولو بشكل جزئي من هذا المرض الفتاك.
إذا كانت الدولة قد اقترحت وصفتها وبدأت بتقديم العلاج من خلال تفعيل المحاسبة انطلاقًا من تفعيل القانون ومتابعة مجموعة من الفاسدين الكبار في ظل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن هؤلاء المسؤولين ينتمون إلى مؤسسات تشكل أساس بنية الدولة من أحزاب وإدارات الدولة. هنا يكمن أصل الداء ومصدر الدواء، فلا يكفي الإسقاط الفوقي لإرادة الدولة عبر استغلال البنية القانونية والقوة الإلزامية لها من خلال سلطة القضاء وعمل الأجهزة الأمنية. بل لابد أن تواكب مؤسسات المجتمع الأخرى هذه الإرادة من خلال نشر تصور قيمي في ماهيته رفض الفساد والفاسدين.
ما معنى أن لا تفتح الأحزاب نقاشات داخلية حول خطوات الدولة في محاربة الفساد وتضع أسس تعاقدات داخلية جديدة تتماشى مع هذه الإرادة وتتفاعل معها بشكل إيجابي؟ كنا ننتظر أن تقدم هذه الأحزاب فاسديها بإرادة متفق عليها داخليًا إلى القضاء، وهو ما يمكننا أن نسميه بعملية التطهير المؤسساتي الذي سيشكل مدخلًا لتغيير تطبيع المجتمع مع الفساد.
ننتظر بشغف وصفات للتطهير من الفساد تقترحها مختلف المؤسسات البنيوية للدولة وفي مقدمتها الأحزاب، بدل سياسة الهروب إلى الأمام والالتفاف على إرادة الدولة. وإن كان الأمر يتطلب الإقرار بأننا كلنا فاسدون، فهو من الشجاعة المطلوبة لكي نطوي مرحلة الفساد ونمر لمرحلة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.
[05/06 à 09:59] Lahlou Abdelaziz: فمواجهة الفساد تتطلب إرادة سياسية قوية وتضافر جهود جميع الفاعلين في المجتمع. في السياق المغربي، تُعتبر مشكلة الفساد متجذرة في السلوكيات اليومية والعادات التي تطورت على مر الزمن. من هنا، يجب أن يكون الإصلاح شاملاً ومتعدد الأبعاد، ويستهدف كل من الأفراد والمؤسسات.
أول خطوة لإصلاح المجتمع تتمثل في التغيير الجذري للقيم والسلوكيات الفردية. الفساد ليس مجرد نتيجة لخلل في المؤسسات، بل هو انعكاس لثقافة وسلوكيات متراكمة. لذلك، يجب العمل على نشر ثقافة النزاهة والشفافية، وتعزيز التعليم الأخلاقي والمواطنة الصالحة منذ الصغر.
الإصلاح المؤسسي هو البعد الآخر الهام في مكافحة الفساد. تحتاج الدولة إلى تطوير نظم محاسبة فعالة وشفافة، وتفعيل قوانين صارمة ضد الفساد. المحاسبة الفعالة تعني أنه لا أحد فوق القانون، وأنه سيتم معاقبة كل من يثبت تورطه في قضايا فساد بغض النظر عن موقعه الاجتماعي أو السياسي.
دور المجتمع المدني لا يقل أهمية عن دور الدولة. يجب أن تكون هناك رقابة مدنية مستمرة على المؤسسات العامة والخاصة، وتعزيز الشفافية من خلال وسائل الإعلام الحرة والمستقلة. كما ينبغي تشجيع المواطنين على المشاركة في الحياة العامة والإبلاغ عن أي حالات فساد يشهدونها دون خوف من الانتقام.
التعليم والتوعية هما مفتاح طويل الأمد لتحقيق هذا التغيير. تعليم الأجيال القادمة عن أهمية النزاهة والأخلاق الحميدة يمكن أن يسهم بشكل كبير في خلق مجتمع أكثر صحة وازدهاراً.
في النهاية، الإصلاح يبدأ من الفرد وينتهي بالمؤسسات، وبينهما مجتمع مدني يقظ ومتعلم وقادر على التفاعل بإيجابية مع قضايا الفساد. العمل الجماعي والتعاون بين الدولة والمجتمع هو السبيل الوحيد لتحقيق مجتمع نزيه وعادل.