في شرك الاستهداف:متابعة السيدة الباتول السواط بالعرائش !

في شرك الاستهداف:متابعة السيدة الباتول السواط بالعرائش !
العرائش أنفو

بقلم : عبدالقادر العفسي /المغرب
بالمباشر : إن متابعة السيدة “الباتول السواط” المناضلة الفذة يالعرائش ليس مجرد إجراء قانوني بارد، بل هو حدث يفضح بنيانا متصدعا للسلطة، حدث يشي بأن الدولة حين تعجز عن الوفاء بالتزاماتها الجوهرية تجاه مواطنيها، تعود إلى أبسط آلياتها: الإقصاء، الانتقاء، والتأديب الرمزي ، نحن لسنا أمام متابعة عادية، بل أمام عملية محكمة لالتقاط جسد واحد وتحويله إلى صورة عقابية كبرى، تسلط على الآخرين كي يتعلموا درس الخضوع، إنها ليست متابعة قانونية بقدر ما هي مشهد مسرحي مظلم، حيث يقدم فرد واحد ليكون مرآة لخوف جماعي ، إنه، وفق عدسة الفلسفة النقدية، تمظهر مكثّف لآليات السلطة حين تنكشف عن وجهها العاري: سلطة تعرف كيف تستهدف، متى وأين، ومن ؟ .
نعم، السلطة لا تسكن فقط في مؤسسات عليا، بل تتسرب في الجسد الاجتماعي، في التفاصيل، في الأجهزة البيروقراطية الصغيرة التي تخلق حالات استثناء، إن إحالة المتابعة للسيدة ـ الباتول السواط ـ التي لم تتلقى اى إخطار للمنع أو غيرها ، فيما يترك عشرات من مسؤولي الجمعيات والأحزاب و آخرين في منأى عن المتابعة الذين حضروا و هتفوا بعنف و بحقد شديد ! لكن المثير للشفقة و لتكتمل الصورة باليوم الموالي تحولت كل هذه التنظيمات إلى “مينورسو” صغير بالعرائش على جدران حساباتها لتكشف على منهج الاستهداف ! ثم يكشف أن القانون هنا ليس أداة مساواة، بل أداة انتقاء وانتقام، إنها تقنية تمييزية: اختيار الهدف لا باعتباره المسؤول عن “الشغب” بل باعتباره رمزا يراد عزله، ليتحول الجسد الفردي للمناضلة إلى مرآة تعاقَب عبرها الجماعة بأسرها .
أن ما يجري ليس مؤامرة خطية يقودها طرف واحد، بل هو إنتاج شبكي لرغبات السلطة، هنا تلتقي مصالح أجهزة إدارية، حزبية، إعلاموية و آخرين ، لتصنع “رسالة” موجهة إلى المجتمع: من يخرج عن الصف،من يزعج الماكينات الوظيفية الفاسدة سيستهدف، بالتالي إن متابعة “الباتول السواط “هو إذن عملية ترميز، لا أقل: تحويل الجسد المقاوم إلى علامة دالة، إلى خطاب صامت يقول: الاحتجاج مكلف ؟ ثم من اللافت أن أحداث الشغب ارتبطت بالأطفال والقاصرين، أي بالفئات الأكثر هشاشة، إن في ذلك إزاحة ذكية: بينما تنتج السلطة شروط الانفجار (رداءة الصحة، انهيار التعليم، هشاشة العيش)، تعيد إلقاء المسؤولية على “مراهقين غير منضبطين”(مغرر بهم او من عدمه هذا من شأن الأجهزة الخاصة و التحقيقات )، ثم تحول الأنظار إلى المناضلة السيدة “الباتول السواط” لتصبح كبش الفداء ، هنا يتجلى المنطق الفوكوي في أبهى صوره: السلطة لا تحكم فقط بالعقاب، بل تعيد تشكيل السردية الاجتماعية: تجعل الضحيةَ مجرمًا، وتجعل المساءلةَ مقاومةً للدولة .
لكن السؤال الجوهري: من يقود هذا الاستهداف للسيدة الباتول السواط ؟ بل إن ما نراه هو جهاز كامل كانوا في حالة تحفز و انتظار، فأتتهم اللحظة ، نعم المستفيدون كثر :
_بيروقراطيات محلية تبحث عن إثبات الولاء عبر التضحية بالأصوات المزعجة .
_أحزاب تبرئ ذاتها بالتغاضي، فتبدو شريكة في الصمت .
_قمامة إعلاموية تشتغل على شيطنة المناضلة لتحافظ على امتيازاتها .
هكذا تحول الاستهداف إلى منظومة إنتاج سياسي، لا مجرد قرار متابعة منفرد ،هنا تتجلى قسوة الاستهداف: نكررها ، لم يتابع عشرات المسؤولين عن الجمعيات والأحزاب الذين حضروا الاحتجاجات ذاتها، ولم تلام المنظومات التي أنتجت غضب الأطفال والقاصرين الذين اندفعوا إلى الشوارع، بل جرى تثبيت العين على شخصية واحدة، لماذا؟ لأنها رمز، لأنها لسان فصيح يفضح، لأنها علامة فارقة داخل شبكة صوتية تخشى السلطة انتشارها ، في اللحظة التي يترك فيها الكل ويلتقط الواحد، ينكشف المعنى الحقيقي لأدوات الدولة و تضليلها حين يستعمل كأداة انتقام، لا كحماية عامة ، لكن الأسوأ من ذلك هو ما تحاول هذه السلطة أن تلبسه لخيال الناس: تريد أن تقول لهم إن الفوضى لا تحاسب فيها المؤسسات المقصرة ولا البرامج الفاشلة، بل تحاسب فيها الأصوات الحرة، تريد أن تزرع في المخيال الجماعي صورة زنزانة مظلمة، لتقول للشباب: الطريق إلى المطالبة بالحق هو الطريق إلى السجن! هكذا يتحول الاعتقال إلى صورة قاتمة: السجن ليس جدرانا ولا قضبانا فقط، بل هو فكرة، كابوس يلقى في الخيال ليكبح الرغبة ويقمع الحلم .
بمعنى آخر، محاولة متابعة السيدة”الباتول السواط” هو أكثر من ملف تحاول هذه الأطراف تكييفه قانونيا ، إنه تجسيد لفلسفة السلطة في نسختها الأكثر عنفا: سلطة تعيد تعريف من هو المواطن، ومن له الحق في الكلام، إن الرد على هذا الاستهداف لا يكون بالانفعال وحده، بل بفضح آلياته، بتفكيك شبكاته، وبإعادة تذكير الدولة بمسؤوليتها التعاقدية: أن تكون جهاز رعاية لا أداة عقاب، أن تكون سلطة عاقلة لا سلطة انتقامية .
في هذا المشهد الذي عرفته ساحة العرائش، تم اختيار نموذج السيدة “الباتول السواط” لتصبح علامةً في لعبة تضحيةٍ سياسية، ليست المسألة هنا محاسبة الخارجين عن القانون فحسب، القانون موجود لحماية المجتمع ونزعِ فتيل الفوضى، لكن يتحول إلى سيف بيد من يريد أن يشْفِطَ اللحظة السياسية ويحولها إلى فرصةٍ للانتقام وتصفية حسابات، إن استحضار اسم واحد وإلقاء كل أوزار السخط عليه بينما تترك عشرات الجهات الفاعلة دون مساءلة، هو فعل متعمد لتصفية الحساب الرمزي، ولترسيخ رسالةٍ مروعة: “ارفض، فستعاقَب أنت بالذات”، ولا يمكن فصل هذا التوجه عن شبكة مصالح محلية وإقليمية وإعلامية تكرس منطق الحماية للمكتسبات الذاتية بدل حماية المصلحة العامة.
نرفض العنف، ونرفض أن يصبح القانون ذريعةً لسحق كرامة الناس، متابعة الخارجين عن القانون واجبة ، لكن لا يجوز استغلال لحظة غضب شعبي أو ضجرٍ اجتماعي أو انزعاج عام او عدم رضى الحكومة أو وزارة الداخلية كي تمارس انتقامات سياسية باسم النظام أو الأمن، هناك فرق جوهري بين محاسبة من خرق القوانين وإعادة بناء مؤسسات تقدّم الخدمات للمواطنين، وبين تحويل المحاسبة إلى مطيةٍ لإسكات الأصوات والانتقام من يرفعها، أي معالجة رشيدة للأزمة تبدأ بالتمييز: بين مطلقي الشغب الذين ينبغي محاسبتهم وفق الإجراءات القانونية، وبين المدافعات والمدافعين المدنيين الذين حملوا صوت الجماعة وواجهوا تقاعس المؤسسات، الخلط بين الحالتين يعني تشويه العدالة ونشر ظاهرة الإفلات من المساءلة لدى من هم فعلا مسؤولون عن تداعيات إدارة الشأن العام .
لا بد من القول بصراحة قاسية: النظام الذي يختار الانتقام بدل الإصلاح هو نظام يخسر،عندما تختزل الدولة إلى آلة قمعٍ تدار عبر تنسيقٍ بين سلطات محلية وإعلام تابع وبيروقراطيات تلتهم كل نقاش، فإنها تفقد صلاحيتها الأخلاقية والشرعية، الرسالة التي يبعث بها من متابعة انتقائية ليست توجيها لمنع الفوضى فحسب، بل إنها رسالة تهديدٍ موجهة إلى أي صوت شجاع يريد أن يفتح باب السؤال عن المسؤولية، وهذا المسار يفضي إلى شلل سياسي وأخلاقي طويل المدى، لأنه يقضي على المساحات التي يمكن أن تبنى فيها الثقة بين الحاكم والمحكوم .
في الوقت نفسه، لا ينبغي أن نغفل أن رفض العنف هو مبدأٌ كريم يجب أن يعلن ويمارس، الدفاع عن “الباتول السواط” أو عن أي مواطن يتعرض للملاحقة الانتقائية لا يعني دعما للفوضى أو التغاضي عن مخالفي القانون، بالعكس: إن المطالبة بالعدالة الحقيقية تعني أولًا حماية كل مواطن من التفريط في حقوقه، ثم إقامة محاكماتٍ عادلةٍ وشفافة لكل من اخطأ، بغض النظر عن موقعه السياسي أو الاجتماعي، وعليه، فإن المطالبة بالشفافية عن من وجهت إليهم تهم انتقائية، أو على الأقل التحقيق العادل والنزيه، هي دعوةٌ إلى استعادة صفة القانون كمظلة للجميع لا كأداة للانتقاء .
إن نموذج السيدة “الباتول السواط” يجب أن يفهم بوصفه مرآة تتبدى فيها أوجه العطب : مؤسسات تتراجع عن التزاماتها، خطاب عامّ يهون من فداحة الإخفاق، وميكانيزمات إدارية تُستخدم لحماية رجالٍ لا يتحملون مسؤولية سياساتهم ، المواجهة الحقيقية لا تتم عبر تسليم الجسد الفردي للإثبات أو الخوف، بل عبر بناء احتكاك مواطني يفرض الشفافية والمساءلة وإعادة توزيع الموارد والاهتمام، حين تستعاد هذه الوظائف، يفقد من يريدون الانتقام ذريعةَ ضرب الحريات .
يجب مواجهة هذه السياسة بكل الأدوات المدنية والقانونية: توثيق الانتهاكات، تنظيم حملات ضغط إعلامية ومجتمعية، اللجوء إلى المحاكم والإجراءات المستقلة، وتوحيد المطالب الاجتماعية في أجسام مدنية قوية تطالب بالتغيير دون الوقوع في شرك العنف، كما يجب أن تفرض آليات حقيقية لمحاسبة أي مسؤول يستغل منصبه للإيذاء السياسي أو الشخصي؛ لا معاقبة استعراضية تهدف إلى إخماد الأصوات، بل تحقيقات مستقلة ونشر نتائجها، ومساءلة بناءة تؤدي إلى إصلاح حقيقي لا استعراضي .
ننهي الكلام الموجه، هذا ليس دفاعا عن شخص بقدر ما هو دفاع عن فكرة العدالة نفسها وعن حق المجتمع في أن يطالب دون أن يستجدى الصمت أو يعاقب بصورة انتقائية،السيدة “الباتول السواط” المناضلة الوطنية الفذة نموذج لكيفية استخدام السلطة للانتقاء، ولكنه أيضا منارة تضيء الطريق : الطريق الذي يربط بين رفض العنف، احترام القانون، ومحاربة الانتقام السياسي عبر أدوات مدنية أو استعمال منصات أخرى تضمن أن تكون الدولة خادمةً لا شاحنة، على كل مواطن وكل من يهمه أمر العدالة أن يرفض استغلال اللحظات السياسية للإنتقام، وأن يطالب بإصلاحاتٍ حقيقية تعيد للدولة واجب العقد الاجتماعي : الحماية، الخدمة، والمساءلة .