ads980-90 after header
الإشهار 1

جيل (Z) المغربي، من مواطن الكتروني إلى فاعل اجتماعي؟

الإشهار 2

جيل (Z) المغربي، من مواطن الكتروني إلى فاعل اجتماعي؟

العرائش أنفو

يرتبط مفهوم الجيل في السوسيولوجيا بمجموع الأفراد الذين ولدوا في فترة زمنية معينة تطبعها مميزات وخصائص وتجارب مشتركة، ذاكرة ثقافية واجتماعية، قيمية وأخلاقية..، تختلف عن مثيلاتها عند الأجيال السابقة وان استقت منها، وهي تؤسس في الغالب – حسب كارل مانهايم – على مرجعية تاريخية كبرى كالحرب (الجيل الصامت المطيع والمنضبط 28 – 45) أو جيل ما بعد الاستقلال صاحب الانفجار الديمغرافي والمسمى جيل (X) (65 – 80)، او الجيل بعده المسمى بالجيل المعطوب (y) من قلة الفرص في الثمانينات والتسعينات (81 – 96)) ويسمى أيضا جيل الألفية، أو جيل الثورة التكنو – معلوماتية المسمى بجيل (Z) أو جيل الأنترنيت والمولود ما بين (97 – 12)، وقد ترتبط تسمية الجيل أيضا بكوارث بيئية وأوبئة كالمجاعة(عام البون.. عام الجراد) و الفياضان (65) والزلزال (أكادير 61.. الحوز 23)…، وإن كان جيل (Z) المغربي في حراكه الاجتماعي الحالي في الحقيقة خليطا من كل الأجيال خاصة الشباب والقاصرين، وكأن الناس كلها مخنوقة واحتاجت للتنفيس والتفريغ الجماعي في الشارع، وقد فعلت ذلك بكل حرية ومسؤولية وسلمية وشعبية، لولا ما عكر الأمر من العنف المتبادل بين قوات الأمن والمحتجين كاد يخرج بالأمور عن مقاصدها الاحتجاجية ومطالبها الاجتماعية وعن سلميتها إلى المواجهة والتخريب لولا أن الله بشكل عام قد سلم.

لكل جيل أسلوبه في الحياة وذوقه الخاص في الفن والأكل واللباس والتعبير.. وقيم ومعايير خاصة في العلاقات بين الجنسين او تكوين أسرة بخيارات معينة، له أيضا لغة خاصة قد يكون فيها نطقا وكتابة كثير من العنف والكلام الساقط كسب الدين والملة والوالدين وفحش ما تحت الحزام الشائع والعادي بين الشباب حتى عند صنف من الفتيات وفي الجامعات؟. قد يكون هذا اشكال تربية وتنشئة اجتماعية وظروف معيشية وتمرد وصراع بين الأجيال، لكن الإشكال الأكبر عند الجيل بشكل عام هو أنه تكون له يوتوبيا (أحلام مثالية عن الواقع المأمول) لا يتحقق كثير منها في الواقع المعاش مما يجعله يصاب بالإحباط ويسقط يأسا وضعفا وعنادا في متاهات الأيديولوجيا ( حوامل الأجرأة والتنزيل ومعيقاتها من انحرافات وتطرفات..)، ومن سوء حظه، لا يحقق فيها غير التراكم الخانق وانسداد الأفق ولا يعيد بسببها حسب -Paul Willis – إلا إعادة إنتاج نفسه لثلاثة عقود أو أربعة، ولا تجد أزمته الخانقة لها حلا إلا بدينامية اجتماعية يكون فيها كثير من الانفجار يتولد عنه تغيير لازم ومختلف عما هو سائد، يعني بقيم ومعايير جديدة تحكم العلاقات والتفاعلات بين الأفراد أنفسهم وبين الأفراد والسلطة خاصة فيما يخص توزيع السلطة ذاتها والثروة والقيم ومعايير الوطن والمواطنة والسلوك المدني سرعان ما تصبح هي العقد الاجتماعي الجديد أو البيعة والمبايعة التي تحكم بموجبها المخططات والسياسات.

والجيل (Z) المغربي، لا يخرج عن هذه المنظومة النسقية والبنيوية للأجيال، بدء من هويته وكينونته وماهيته التي تميزه عن غيره ويجد فيها روحه وأفكاره، قيمه ومعتقداته، مهاراته توجهاته واختياراته..، إنها اليوم – كما يجمع الباحثون – هوية رقمية مبنية على الأنترنيت والتطبيقات والعالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي..، بما تعنيه وتوفره من حرية شبه مطلقة وكونية عابرة للقارات جعلت العالم قرية صغيرة، وكل أشكال المعلومات فيه متدفقة ومتطايرة ومتوفرة للجميع بمجرد نقرة، حسابات بأسماء وصور حقيقية أو مستعارة، فرص التعبير بالصوت والصورة والتدوين وصناعة المحتوى، سفر وهجرة بلا رجوع إلى ملايين المواقع والصفحات والصالونات المخملية بكل ما خبث وغث أو ما لذ وطاب من أطباق وموائد الخوض الجريء في كل المباحات وكل الممنوعات، في الدين في السياسة في الجنس الاباحي في المستور والمفضوح في المقدس والمدنس وبمعايير خاصة يضعها المتواصلون أنفسهم لا غيرهم من السلطات والحكومات، الجد موجود واللعب موجود، والبيع والشراء موجود والحب والكره وكل شيء حتى صناعة الحدث والشهرة والفضائح (Buzz) ولو بروتيني اليومي والنصب والاحتيال والشبكات والعصابات، ليبقى السؤال هل إلى هذا الحد قسى الواقع على الناس فهربوا منه وقد قسى؟.

السؤال أيضا، هل نحن في حاجة إلى العمل في عقبات الواقع أم في متاهات المواقع؟. هل نحن في حاجة إلى الفاعلين الاجتماعيين الواضحين أم إلى المتنكرين الافتراضيين المتخفين وراء الفأرة والشاشة والسكرين والسكرول؟، ما ينبغي أن نعلمه، أن العالم الافتراضي هو الواقع بل هو أسرع منه وأقدر منه على الصرع، العالم الافتراضي يصنع الواقع الميداني والخرائط العقائدية والمذهبية ويؤثر فيها ويؤطرها ويغيرها في أي اتجاه يحظى عنده بالطوندونس، علاقات وتفاعلات.. طباع ونفسيات.. تجارة وتشغيل.. عقود وقوانين.. ترافع وقضايا.. برامج وتكوين.. ألعاب وترفيه.. مجانين ومشاهير.. تفاهة وأزمات، وليس بينه وبين الواقع لا جدار برلين ولا أسوار الفصل العنصري العدائية، وها هو جيل الهوية الرقمية (Z) قد بدأ خروجه من المواقع إلى الواقع بمجرد “هشتاق” في مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما اكتسحت شرارته كل العالم وأخرجت شبابه إلى شوارع العواصم وغير العواصم تطيح بالحكومات والأنظمة في “لبنان” و”نيبال” وربما “مدغشقر”..، وفي العديد من الدول كاليابان وإندونيسيا وكوريا والفلبين وأمريكا ونيجيريا..، هو جيل متعلم مبادر سعيد بإنجازاته الافتراضية وحياته الفردانية، ويتبنى قضايا العهد المعقدة والمزمنة كالحرية والتنمية والمساواة والصحة والتعليم والبيئة والعدالة الاجتماعية..؟. وقبله موجات الربيع العربي وحملات المقاطعة التي ترتعد منها اليوم الشركات والأنظمة وتستجيب مضطرة لمطالب وضغوطات منظميها حتى قبل أن ينطقوا بها، إنهم ينصرون بالرعب مسيرة عقود وعقود، فهل يصدق من قال أن الجيل (Z) ثورة رقمية جديدة ستغزو كل العالم على غرار سابقها من الثورات الزراعية والثقافية والصناعية؟.

ولكن، يبقى التنادي إلى حملات التظاهر السلمي والتضامن والتغيير الاجتماعي مهما كانت صادقة ومفيدة فهي قد تموت في مهدها ما لم يلامس صداها وجدان الفاعل الاجتماعي أي الإنسان على أرض الواقع، لأن الافتراضية/الالكترونية قد تكون كما تذهب إلى ذلك الماركسية بمجرد امتلاك الأدوات المادية… هاتف ذكي و شبكة واي فاي.. أو حاسوب محمول أو لوحة إلكترونية، ومن يملك أكثر وأجود يملك الولوج والاستفادة والتأثير والتعاطف والربح وحسم المعركة بسرعة أي معركة ولو كانت نحو الهاوية، بينما تبقى الفاعلية الاجتماعية كما يذهب إلى ذلك “ماكس فيبر” تحتاج إلى القيم والأفكار والمعتقدات والاختيارات العقلانية أي إلى الإنسان قبل كل شيء، الإنسان المميز والمسؤول الواقعي والوطني المخلص، صاحب القيم والأخلاق قبل الوسائل المادية والأنظمة والأنساق التي قد لا تميز بين الهدم والبناء وبين الحرق والاطفاء أو بين الإصلاح والافساد الذي لابد له من الإنسان صاحب الهوية والمرجعية والوطن والتوطين الحقوقي والديمقراطي البناء، يؤصل ويجدد نحو الأفضل بشكل أفضل بعيدا عن موجات العولمة القيمية والثقافية وعن ما يمكن أن يكون من مآسي الثورة الرقمية العالمية المحتملة والتي تمحو كل الحدود والمسافات وتتجاوز كل الخصوصيات والهويات والمرجعيات والانتماءات، شعارها ماكيافيلية “الغاية تبرر الوسيلة” وكوجيطو “أنا مدمن إبحار، إدن أنا موجود”؟.

وهذ لا يعني في شيء أن الجيل (Z) المغربي رغم هويته الالكترونية المنفتحة والكونية مطعون في فاعليته الاجتماعية، فقد حرك كل الفاعلين الاجتماعيين الآخرين بقوة وفي وقت قياسي تجاوز كل الوسائل التقليدية للفعل الاجتماعي، أيضا بما أبدعه واعتمده من وسائل افتراضية بسيطة والتي مكنته من حشد الشارع وتجييشه في نضالات اجتماعية تقدمت به على غيره من الفاعلين عقودا وعقودا، وهي مرجحة أيضا أن تتقدم بالمغرب مثل ذلك وأكثر إذا أحسن الإنصات والتعامل مع رسائلها ومطالبها ولم يفرغها من المعنى أو يشوه لها في المبنى، الجيل أيضا لديه من الجرأة على قول الحقيقة عارية كما هي، وعلى رفض ما يتماهى معه غيره – خوفا أو مصلحة – من القرارات المجحفة والسياسات المنحازة والاختيارات والتوجهات المفروضة لمصلحة غير شعبية أو إكراه سياسوي كالتطبيع والملاعب نموذجا والتي لا يرى فيها جيلنا الواقعي لا مصلحة للبلاد ولا خدمة للعباد، لذلك رفضها وصرخ في حراكه الشعبي في وجه ناحتيها: “فلسطين أمانة.. والتطبيع خيانة”.. “الصحة أولا.. ما بغيناش كاس العالم”.. ” الفوسفاط وزوج بحورا.. وعايشين عيشة مقهورا “، لكن الإشكال يكمن دوما في الأجرأة والتنزيل وما يتطلبه ذلك من رؤية سياسية وبرامج إصلاحية قوامها التنمية والديمقراطية.. العدالة الاجتماعية والمقاربة التشاركية..، فأي رؤية للجيل وأية مقترحات غير الرفض والصراخ على أهمية ذلك في زمن التهميش والاقصاء وسياسة المصالح والغنائم؟.

هل يمكن لكل هذا أن يحقق أي نتيجة مرجوة ومنصفة وقوالبنا السياسية وبرامجنا الاجتماعية سواء على مستوى الفرد والمجتمع أو حتى الدولة والمؤسسات، لاتزال مخضبة بنظام رأسمالي متوحش تطرح فيه كل أسئلة الصراع والاضطرابات الاجتماعية من حرية التملك وقيم الفردانية وشيوع الفقر والبطالة بدل العدل والمساواة والتضامن والانصاف؟.. وسياسة نيوليبرالية جشعة تعتمد اقتصاد السوق والاستهلاك بدل التصنيع والانتاج.. الفردانية الاجتماعية.. تعليمات البنك الدولي.. وما يقضي به من ضرورة انكفاء دور الدولة لصالح الخوصصة والقطاع الخاص بما تعنيه من سياسة الريع والفرصة والغنيمة.. كذلك عولمة قيمية وثقافية فاسدة ومستبدة ولا تناسب طبيعة أوطاننا ولا قيمها وهمومها، فهل يستطيع أي جيل بمفرده أن يفرض مطالبه بمجرد التظاهرات على حدتها وتضحياتها وخسائرها أم سيضطر إلى التحالف والترافع والتدافع مع الآخرين، وكيف له أن يجنب ذلك كله بعض القوالب الإدارية المكلسة وبعض الأحزاب الانتهازية وبعض المؤسسات المفرغة لكل شيء من المعنى والمبنى.. الانتقال الديمقراطي.. دستور 2011 .. النموذج التنموي الجديد.. والنماذج القديمة والجديدة في الصحة والتعليم والتشغيل والحقوق والحريات كثيرة.

أين الفضاء الدستوري للحوار العمومي وقد كان منتظرا منذ 2011؟، أين المجلس الوطني للشباب والعمل الجمعوي وهمومهما كل يوم تتفاقم؟، المجلس الاستشاري الأعلى للطفولة والأسرة ودوره المأمول في استقرار الأسرة وتنشئة الأجيال؟، ما جدوى العديد من المجالس الوطنية الأخرى والهموم التي قد تكلفت بمعالجتها تتفاقم حتى أصبح وجودها وعدمها عند الناس سواء أو يكاد(…)؟. من أفرغ مؤسسات التنمية الاجتماعية المدنية وعرقل القيام بأنشطتها وبأدوارها الاجتماعية والسياسية؟.. لابد من شيء من الصدق والمصداقية.. والضمير والمسؤولية.. والمواطنة والوطنية.. وغيرها من قيم الصلاح والإصلاح، وكفى لهدر الزمن التنموي والديمقراطي بين الأجيال، فهذا جيل (Z) يكرر اليوم نداءه ويجدد مطالبه بأسلوبه الخاص، وهي في الحقيقة نفس مطالب كل الأجيال قبله وبعده، لا نقول كان يتعامل معها دائما بسياسة التجاهل والتناور والافراغ من المعنى والمبنى، هناك جهود ومكتسبات ولكن أيضا هناك انحراف وخصاص وتفاوتات، وعندما يصل الأمر إلى حرمان جيل بأكمله بل أجيال متعاقبة رغم ما أقدمت عليه من تضحيات تحريك الشارع والمغامرة باستقرار الوطن وأمن المواطن، فإنه غير مقبول.. غير مقبول، وينبغي أن يصبح تدارك الأمر غاية الجميع ومبرر كل وجود وكل موجود، وهو شيء ممكن؟.
الحبيب عكي

ads after content
الإشهار 3
شاهد أيضا
الإشهار 4
تعليقات الزوار
جاري التحميل ...
الإشهار 5