ads980-90 after header
الإشهار 1

اللعبة الدينية وتحرير الدين

الإشهار 2

العرائش أنفو

اللعبة الدينية وتحرير الدين

جلال مجاهذي

حينما نسمع باستغلال الدين والتجارة بالدين، يحيلنا فهمنا على الأحزاب الإسلامية التي تدغدغ مشاعر العوام بالشعارات الفضفاضة الجوفاء المستحيلة التحقق لكسب أصواتهم، لكن هل هناك استغلال آخر للدين غير ما ذكر؟ و كيف ذلك؟
عندما انتقل عموم مواطني أوروبا من العقلية الكنسية إلى تبني الفكر العقلاني فقدت الكنيسة والدول القهرية سلطتها إلى غير رجعة، ومن هذا المنظور تعلم الفئة الحاكمة والنخبة المتبرجزة لدينا والتي أخذت تعليمها في الغرب و ثقافتها العالية عن الغرب، أن بقاءها كنخبة بورجوازية و سياسية مسيطرة رهين بالابقاء على العناصر اللاعقلانية في الدين كوسيلة حمائية وهو ما يعني إعطاء بقية الأوساط الشعبية معرفة هامشية دينية لا وزن لها و تعليما سيئا يكفلان ذلك، أي زرع و ترسيخ اللاعقلانية في المنظومة التعليمية انطلاقا من عدد من العناصر في الدين التي من شأنها تكليس الفكر و تجميده. فالتعليم كان و لا يزالا يخدم هذه السياسة، فهو في نظر تلك النخبة يتعين أن يؤدي وظيفة موازية، تتلخص في حرمان الطبقات الشعبية من التفكير و التحليل و التعبير، حتى تكرس وضعها كطبقة نخبوية و حتى تبقى الطبقات الدنيا على حالتها وبلا وعي أو فهم و بدون انتفاض على أوضاعها المزرية.
بقدر ما أن الأفكار العقلانية تدفع الى تقوية سلطة ومكانة وثروة الفئات الحاكمة وأبناء الطبقات المتبرجزة، بقدر ما تقوم العناصر اللاعقلانية في الدين بإخراج عموم الشعب من الساحة السياسية والإدارية والإقتصادية والاحتفاظ لهم بوضع الهامش في المجتمع، هذه العناصر اللاعقلانية تحرمهم من كل إمكانية لفهم ما يجري، لتبدو السياسة والاقتصاد كطلاسم، فهم لا يملكون ميكانيزمات الفهم السياسي والاقتصادي، وكل ما يعرفونه عبارة عن ما لقنه إياهم تعليم هامشي غير مفيد في شيء وبلغات متجاوزة لا تفيد حتى إلى الولوج لميدان الشغل وثقافة دينية متكلسة لا تفيد نهائيا في ميدان الفكر لزيادة الوعي للخروج من وضعهم كطبقة مهمين عليها.
برمجة الطبقات الشعبية على العناصر اللاعقلانية في الدين و حرمانها من مستويات الوعي والفهم ، جعل منها مجرد طبقات غير واعية، مهمشة ومستكينة تعاني مشاعر اليأس و الإحباط ،عبارة عن مستودعات لليد العاملة و مخزن للوظائف الصغيرة وفي كل الحالات، فهي خبزية غير مفكرة ومفصولة كليا عن التاريخ ولا ترتفع حتى إلى وصف البروليتاريا الرثة حسب تعبير الادبيات الماركسية والاشتراكية.
أن يكون الإنسان متدينا لا يعني أن يكون بلا عقل، فالدين حينما جاء لتحرير الانسان من عبوديته لغير الله ولتحقيق المساواة و العدالة الاجتماعية، خاطب عقله كذلك ومنه يتعين أن تبقى وظيفته تحريرية عقلانية كذلك، أما حينما يصبح الدين بناء على ما يحتويه من عناصر لاعقلانية، وسيلة استعباد الإنسان لأخيه الانسان، فهنا يتعين أن يحرر الدين أيضا .
تحرير الدين يعني جعله أكثر عقلانية. فالقطع مع جموده و تكلسه و تخليصه من تفسيرات فقهاء البلاطات السياسوية وأحاديثهم الموضوعة و قواعدهم الفقهية الملفقة هو الكفيل بجعله اكثر عقلانية. ومن هذا المنظور تتجلى ضرورة إخراج الدين من جبة النقل اللاعقلاني إلى التفسير العقلاني ومن سيطرة اللفظ والحرف والنص إلى رحابة المعنى المضمون، وهذا الإخراج هو الوحيد الكفيل بتحريره ومنع استغلاله و تمكينه من استعادة دوره الإنساني كحامل لقيم العدالة والمساواة والحرية والتحرر.

ads after content
الإشهار 3
شاهد أيضا
الإشهار 4
تعليقات الزوار
جاري التحميل ...
الإشهار 5